"الدولية للهجرة" تعيد 152 سوريّاً من ليبيا.. خطوة إنسانية وسط جدل العودة الآمنة
"الدولية للهجرة" تعيد 152 سوريّاً من ليبيا.. خطوة إنسانية وسط جدل العودة الآمنة
في خطوة وصفتها الأمم المتحدة بالإنسانية والمعقدة في آن، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة الخميس أنها أعادت 152 مواطنًا سوريًّا من ليبيا إلى وطنهم عبر رحلة جوية خاصة هي الأولى من نوعها منذ مطلع عام 2025.
وقالت المنظمة في بيانها إنها "سهلت، الأربعاء، العودة الطوعية لـ152 سوريًّا في أوضاع هشة من ليبيا إلى دمشق"، موضحة أن الرحلة جاءت بناء على طلب رسمي من وزارة الخارجية السورية، وبالتنسيق مع السلطات الليبية بحسب فرانس برس.
الرحلة، التي أقلعت من مطار معيتيقة الدولي في طرابلس، شكّلت لحظة فارقة في ملف الهجرة واللجوء السوري بعد سنوات من الانقطاع الكامل في الرحلات الجوية بين البلدين، وتأتي في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط تحركات دبلوماسية متسارعة لإعادة تطبيع العلاقات مع دمشق.
عودة رمزية
وصفت المنظمة الدولية للهجرة هذه الخطوة بأنها "إشارة إلى بداية مرحلة جديدة من التعاون الإنساني"، مؤكدة أنها تعمل على توسيع عملياتها داخل سوريا بهدف دعم جهود التعافي وإعادة الإعمار بعد سنوات الحرب الطويلة.
غير أن منظمات حقوقية وإنسانية حذّرت من أن "العودة الطوعية" قد لا تكون آمنة أو مستدامة في ظل استمرار الانتهاكات، وضعف البنية التحتية، والقيود المفروضة على حرية التنقل في مناطق عدة داخل البلاد.
تقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنّ أكثر من مليون لاجئ سوري عادوا إلى وطنهم منذ الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في ديسمبر الماضي، لكن معظمهم واجه تحديات كبيرة تتعلق بالسكن والخدمات الأساسية والضمانات الأمنية، وتؤكد المفوضية أن أي عملية عودة "يجب أن تكون آمنة، طوعية، وكريمة"، وأنها "لن تُعد حلاً دائماً ما لم تُرافق بإصلاحات سياسية وحقوقية حقيقية".
أوضاع هشّة في ليبيا ومصير معلق للسوريين
منذ اندلاع النزاع الليبي عام 2011، تحولت ليبيا إلى واحدة من أكثر نقاط العبور خطورة للمهاجرين واللاجئين نحو أوروبا، وتقدّر المنظمة الدولية للهجرة وجود عشرات آلاف السوريين العالقين داخل الأراضي الليبية، بعضهم في مراكز احتجاز، وآخرون يعيشون في ظروف قاسية ضمن مجتمعات محلية مضيفة تعاني هي نفسها من التدهور الاقتصادي.
منسقة المنظمة في ليبيا، ماريا دي لافور، قالت إن "العديد من اللاجئين السوريين العائدين كانوا يعيشون في أوضاع بالغة الصعوبة، بلا عمل أو سكن لائق، وبعضهم ضحايا للاتجار بالبشر أو العنف الجنسي"، وأضافت أن الهدف من الرحلة "هو منح هؤلاء فرصة للعودة الطوعية بسلام، وليس ترحيلاً قسرياً".
لكن منظمات دولية عدة، من بينها "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية"، حذرت من أن عمليات العودة هذه قد تُستخدم سياسياً لتبييض صورة السلطات السورية أو لتخفيف الضغط عن دول العبور، من دون ضمان فعلي لحقوق العائدين.
بين العودة الطوعية والضغوط الخفية
منظمة العفو الدولية اعتبرت في بيان لها أن الحديث عن "عودة طوعية" يجب أن يخضع للتدقيق، لأن "العديد من اللاجئين السوريين في دول شمال إفريقيا وتركيا ولبنان يواجهون أوضاعاً لا تترك لهم خياراً حقيقياً سوى العودة".
وأضافت أن غياب الضمانات الأمنية داخل سوريا، واستمرار الاعتقالات التعسفية في بعض المناطق، يجعل من الصعب وصف العودة بأنها آمنة أو مستدامة.
أما الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فأكدت أنها وثّقت خلال الأشهر الماضية عشرات حالات الاعتقال أو الإخفاء القسري بحق عائدين من الخارج، مطالبة الأمم المتحدة بإنشاء آلية مراقبة مستقلة تشرف على أوضاع العائدين في مناطق النظام والمعارضة على السواء.
وفي المقابل، تقول الحكومة السورية إنّها "تفتح أبوابها لجميع أبنائها" وإنها تعمل على "إعادة دمج العائدين في المجتمع" من خلال برامج دعم محلية وخدمات اجتماعية، وتعتبر السلطات أن هذه الرحلات دليل على تحسن العلاقات الخارجية واستعادة الثقة الدولية تدريجياً.
تطبيع العلاقات بين دمشق وطرابلس
تزامن إعلان المنظمة الدولية للهجرة مع تأكيد هيئة الطيران السورية عزمها استئناف الرحلات المباشرة بين دمشق وطرابلس الأسبوع المقبل، بعد تعليق استمر أكثر من عقد كامل، كما أعيد فتح السفارة السورية في العاصمة الليبية في أغسطس الماضي، رغم أن خدماتها القنصلية لم تستأنف بالكامل بعد.
ويرى محللون أن هذه الخطوات تشكل جزءاً من مسار سياسي أوسع يعكس تقارباً عربياً مع دمشق بعد عزلة دبلوماسية طويلة، فعودة العلاقات بين البلدين لا تعني فقط استئناف الرحلات، بل قد تمهّد لتعاون أمني واقتصادي، خاصة في ملف الهجرة غير النظامية الذي يشكل هاجساً لدول المتوسط.
الهجرة بين مطرقة الحرب وسندان البحر
تعد ليبيا واحدة من أهم نقاط الانطلاق للمهاجرين غير النظاميين نحو أوروبا، وتقدر المنظمة الدولية للهجرة أن أكثر من 180 ألف شخص حاولوا عبور البحر المتوسط خلال العام الماضي، في حين قضى الآلاف غرقاً في رحلات محفوفة بالمخاطر.
وبالنسبة للسوريين، أصبحت ليبيا في السنوات الأخيرة ملجأ مؤقتاً أو محطة اضطرارية في طريقهم إلى أوروبا، لكن تشديد الرقابة الأوروبية على الهجرة، وتزايد المخاطر الأمنية في ليبيا، جعلت كثيرين يعلقون هناك في انتظار مصير مجهول.
وفي هذا السياق، قالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إنّها "تراقب من كثب أوضاع اللاجئين السوريين والعرب داخل البلاد"، مؤكدة ضرورة التزام السلطات الليبية بعدم إعادة أي شخص قسراً إلى مكان قد يتعرض فيه للخطر، وفقاً لمبدأ "عدم الإعادة القسرية" المنصوص عليه في القانون الدولي.
العودة إلى بلد ما زال يعاني
على الرغم من توقف الحرب في معظم مناطق سوريا، لا تزال البلاد تعاني من أزمات اقتصادية خانقة، ونقص حاد في الوقود والمواد الغذائية، ودمار واسع في البنية التحتية، كما يعاني ملايين السوريين في الداخل من الفقر والبطالة، في حين يواجه العائدون صعوبات في إعادة بناء منازلهم أو استعادة أملاكهم.
تقرير صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) يشير إلى أن 16 مليون سوري بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، وأن العودة الواسعة من الخارج "لا يمكن أن تكون مستدامة إلا بوجود بيئة آمنة، وخدمات أساسية، ومصالحة مجتمعية حقيقية".
وبينما تحاول الأمم المتحدة الموازنة بين دعم العودة الطوعية واحترام حقوق الإنسان، تبقى الحاجة ملحة إلى ضمانات عملية تحمي العائدين من الانتهاكات وتوفر لهم سبل العيش الكريم.











